ذكرى الرحيل
كانت أيامَ عيد ، الناس منشغلون بالاستعدادات ،النساء مهتمات بالبيوت من تنظيف وكنس والرجال يترددون على الأسواق لشراء أضاحي العيد. كنت في منافسة مع جارتي زهرة ، من منا ستكمل أشغال البيت وتجلس لتخضب يديها بالحناء ،كل شيء كان جميلاً ،الأطفال يلعبون ويتهامسون فيما بينهم عن ملابس العيد وعن العيدية. اِتصلت بالسيدة التي ستزين يدي بالحناء ، لتأتيني صبيحة اليوم الموالي ،أغلقت الهاتف وانتابني شعور حزين ، لا أعرف مصدره ،جلست مكاني برهة ، ربما هو الاشتياق لعائلتي.. أمي وأبي وإخوتي ،كانوا بعيدين عني هناك في مدينة أكادير، وأنا هنا في مدينة طاطا. كان كلما حل العيد شعرت بالوحدة والحزن وتذكرت أيامنا الجميلة ودفء العائلة ، صحيح أنا الآن بين أحضان أسرتي الصغيرة زوجي وأبنائي ، ولكن لن يغنيني ذلك عن أيامي مع عائلتي ومجلسهم . قطع حبل تفكيري ، صغيري الجميل :
ــ ماما سأخرج للعب مع أبناء الجيران .
في الحي الذي نقطن فيه ، كنا نجمع بين الدنيا والآخرة ، فنصوم تلك الأيام المباركة ونتنافس في ذلك . كان يوم عرفة والاستعدادات على قدم وساق و الوقت عصرا ، رن هاتفي ، خفق قلبي رأيت الرقم .. أختي تتصل ، رفعت السماعة وجاءني صوتها من بعيد ولم يكن كما عهدته ، بحة وحزن تسيطر عليه .
-أهلا أختي ،كيف حالك والأبناء و زوجك ؟
قاطعتها :
-هل أنت بخير ، وأمي وأبي ؟؟
ما به صوتك ؟ هل أنت مريضة؟ صمتت ، وأردفت قائلة :
-يجب أن تحضري لرؤية عائشة، إنها مريضة جداا؟
انتفضت من مكاني وصرخت:
ــ ما بها أختي ؟ هل أصابها مكروه ؟ رجاء ..اِخبريني.. قولي لي الحقيقة.
قالت بنبرة حزن شديدة : تعالي لتريها إنها مريضة، وقطعت الخط .
سالت الدموع بحرقة .. بكيت كثيرا، أيضا كل جيراني. جمعنا أمتعتنا وشددنا الرحال إلى مدينة أكادير. طيلة الطريق وصورها لم تفارقني .. تعاملها الجميل معي ومع أسرتي الصغيرة ، عائشة ملاك يمشي على الأرض، تحب الجميع وتساعد الجميع رغم مرضها. لطالما خصتني بحنان فريد وتجلس معي الساعات الطوال ، تحكي لي بإيماءاتها عما يكدر صفو حياتها. أخذتني الذاكرة إلى آخر مرة رأيتها فيها ، في نهاية العطلة الصيفية و في ليلة من الليالي و نحن نودع العائلة و نهم بالخروج ،استوقفتي وكأنها تودعني الوداع الأخير ،كان حضنا دافئا جداا .. حضن قال كل شيء ، شعرت بها وكأنها تهمس لي : اِهتمي بنفسك وأسرتك جيدا ، أحبيهم .
ضاق صدري وحاولت ابعاد وساوس الشيطان ،أختي ماتزال على قيد الحياة .
وصلنا وكل شيء يقول أنها رحلت ، تركتنا .. لم أسألهم ..بحثت عنها ..صرخت بأعلى صوتي أين هي ؟ ماتت ؟ رحلت ؟ هل واريتموها التراب قبل أن أودعها وأطلب منها السماح ؟؟ حاولوا تهدئتي من أجل طفلاي الصغيران .
إنها في مستودع الأموات في مستشفى الحسن الثاني، صباحا ستريها قبل الدفن . آه ما أشده من ألم يستوطن القلب.
صبيحة اليوم الموالي ، توجهنا نحو المستشفى .. وجدتها مستلقية على ظهرها ، نفس الابتسامة مرسومة على شفتيها،احتضنتها بقوة .. قبلت جبينها وتمنيت لو تستفيق لبرهة لأطلب منها الصفح والسماح، بح صوتي .. جفت دموعي ولم أدرِ ما حصل . بعد ذلك،وجدتني والأسرة من حولي وكثير من الأصوات .
وُريتْ أختي التراب.. تركت أثرا جميلا عند كل من عرفها ، رغم أن كلامها كله ايماءات وحركات .. إلا أنها كانت أحسننا في كل شيء ، ما تولت أمرا إلا وأتقنته . رحلت عنا بغير عودة وتركت جرحا ينزف وذكريات ترافقنا في كل وقت وحين .
ومنذ سنة 2014 ما عاد العيد يحمل الفرحة والسرور، بل ذكرى رحيل مؤلمة.
بقلمي فوزية الخطاب . 28.11.2024.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق