الأحد، 5 نوفمبر 2023

رضيعة الحاوية / بقلم / أحمد علي سليمان عبد الرحيم

 رضيعة الحاوية!)

شعر / أحمد علي سليمان عبد الرحيم
ديوان: (السليمانيات) & جزء: (الأمل الفواح)
موقع (الديوان) & موقع (الشعر والشعراء: صوت وصورة) & موقع (كتوباتي) & موقع (عالم الأدب) & موقع (أدب – الموسوعة العالمية) & مكتبة (نور)
(رزق ذلك الأب بابنة وثانية ، (وفي كل مرة يتوقع الولد). وعندما رزق الثالثة قرر أن يضعها عند حاوية القمامة ويتزوج. وقد كان ، فأخذها بالفعل تتلبط في دمائها ، ووضعها عند حاوية القمامة ، والكلاب تعوي بضراوة. فأشفقت الأم على رضيعتها! وقامت بسرعة مذهلة رغم ضعفها وتهالكها ، وانتشلت ابنتها في رحمة وحنان ، غير عابئةٍ بالأب القاسي الذي انتزعت الرحمة من قلبه. أما هو فتزوج من أخرى ، ورزق منها بثلاثة أولاد. وشاء الله أن تموت الزوجه الأولى وابنتاها الأوليان في حادث. بينما نجت الثالثة: (رضيعة الحاوية). وتمر الأيام والسنون ، ويذوق الأب الهوان على أيدي الأبناء الثلاثة. وأشفقتْ رضيعة الحاوية على أبيها ، وأخذته ليعيش معها بعد استئذان زوجها الذي لم يُمانع بل اعتبر صهره كأبيه. فلقد كان زوجها صالحاً ورعاً. وعاش الشيبة أسعد أيامه في المشيب في بيت ابنته ، التي كان يريد التخلص منها يوماً عندما رماها في حاوية القمامة للكلاب ، فصار يبكي وينتحب. فسألته ابنته: هل قصّرتُ وزوجي في حقك حتى تبكي هكذا يا أبتاه؟ هل يزعجك الأولاد الصغار؟ فقال: لا. فسألتْ: ففيم بكاؤك إذن بهذه الطريقة؟ فأبى أن يُجيبها! فمازالت بإلحاحها المتلاحق حتى أخبرها بالحقيقة. وصدق الله: (آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعاً). فلم تتغيرْ معاملتها لأبيها من الإشفاق إلى الانتقام - شأن أراذل الناس - ، بل زادت في إشفاقها وإحسانها – شأن كرام الناس - ابتغاء مرضاة الله. فيالله في هذه القصة التي كلما قرأتها وقرأت نص قصيدتها والله بكيت وتأثرت! وحياك الله يا رضيعة الحاوية! والقصيدة أنشدتها على لسان الأب وقد ندم على جريمته وتاب منها وأدرك بعد سنين من البلاء الحكمة في قوله تعالى: (آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا) وكنت قد صغتها على البحر العروضي المثقارب لأقرب بين قلب البنت الفذة الرحيمة وأبيها النادم الباكي التائب المدرك لجرمه! بالله عيشوا أيها القراء مع هذا النص بقلوبكم أرواحكم ومشاعركم!)
ألا يا بُنية لا تسألي
وعذرَ الإجابة فلتقبلي!
وكيف أبث الجواب الذي
أراه أمَرَّ من الحنظل؟
وكيف أعبِّر عن قسوةٍ
غزتني بأخذ الهوى المبطل؟
وكم تقتل المرءَ أهواؤه
فسبحان مَن بالهوى يَبتلي!
وكم كنتُ أرجو بلوغ الذرى!
فخاب بما أرتجي مَأملي
وقدّرتُ شيئاً ، ولم أنتبهْ
لمَا خط ربٌ قديرٌ علِي
فلا تنكئي الجرح ، أو تعتبي!
كفاني مؤاخذة العُذل!
دعيني بجرحي ومَرثيتي!
فإن البلاءاتِ كالأجبُل
ظلمتُك دهراً ، ولم أكترثْ
بما قد تخبّأ - في الغيب - لي
ظننتُ بأني أصبتُ ، لذا
سعيتُ بدرب الشقا المُمْحِل
ويوماً حملتك مستكثراً
عليكِ المعيشة في منزلي
أردتُ لك الموت مستغنياً
بأختيكِ عنك ، ولم أخجل
وألقيتُ بالمَهد مستكفياً
بثنتين ، ما لِيَ مِن مَعْدِل
سوى أن ألوذ بزوج تفي
بأبناءَ - في الناس - كالأشبُل
يكونون ردءاً يصون الحِمي
ويبنون - بالعز - مستقبلي
يذودون عني إذا نالني
عدوٌ بعُدوانه المُعضل
وكلٌّ يهب إلى نصرتي
كأني بهم قائدُ الجَحْفل
فكانوا عِقاباً على فعلتي
بمسكينةٍ غادةٍ عُطبُل!
فذقت الأمَرَّين مِن كيدهم
وما الظن بالشيبة المُهمَل؟
كأن العقوقَ حسامٌ ، لذا
أصابَ الكرامة في مقتل!
لقد جرّعوني صنوفَ الأذى
وعشتُ - عن الخير - في معزل
وآثرتُ موتي على قربهم
فما نفعُ قربيَ مِن أرذل؟
وكم بت - في الكرب - من ليلةٍ
بقلبٍ بنار الجَوى مُثقل!
وكم نمتُ يَعصرُ بطني الطوى!
لأن الهمومَ غدت مَأكلي
وكم عشتُ أصْلى بجمر الأسى
كأن العذاب غدا منهلي!
تواصَوْا جميعاً على نقمتي
فآخرُهم كان كالأول
وساعَدَهم أنني أشيبٌ
تعثرَ في ليله الأليل!
وأني بذلتُ الذي اسطعته
ولم أبْق لو حفنة القسطل
وأني ربطتُ حياتي بهم
فعشتُ - بخُدلانهم - أصطلي
وأني التمستُ الهنا عندهم
فكان هنائي الشقاءَ الجلي
يميناً تحمّلتُ مُرّ الضنا
وقلبي تميَّز كالمِرجل!
وللشيب حُكمٌ ، فلا تعجبي
وإني رُددتُ إلى الأرذل
فهل قد علمتِ لماذا البُكا
بدمع يفطر قلب الولي؟
وكنتُ احتفظتُ بسري الذي
أعيذكِ منه ، فلا تسألي
ألا فاصفحي عن أب مُجرم
ومُنِّي بعفوك لا تبخلي!
عرفتكِ أوّابة برّة
فجودي بعطفكِ يا موئلي!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بدر السماء / بقلم / محمد حمد النيل

بدر السماء بقلم محمد حمد النيل أيسهر البدر كالأم الحنون على أبنائها راعياً أفلاكه رعيا يضفي عليهم حناناً دافقاً لهفاً يسعى إلى ضمهم في صدره ...