البُعدُ حياة
رَاقَ لِيَ الغِيَابُ
فَلقدْ أدمَاني الحضُور
وتَركتُ العَرشَ راضِيًا
وفَرطتُ في المُلكِ
فَمَا استَثنَيتُ أرضًا أو
بَحراً منَ البحُور
وأودعتُ قلبي. شَجَرةً
لاَ يُراقِصُها النَسِيمُ
ولاَ يَشدو عَلَيهَا عُصفُور
وكَتبتُ عَلى صفحاتِ الماء
إني عَائدٌ كَعَودةِ الطيُور
واستَعَرتُ
مِنْ دفَاتِر الأحزانِ كَلِمةً
لِأُنعِي مَوتَ الزهور
وأقَمتُ الليل عَزَاءً
فِي فَقِيدٍ لَيسَ بِالقُبور
وشَطبتُ اسمكَ
مِنْ صفحاتِ الهَوى
وقَدكَانَ اسمُكَ نَقشُ محفُور
وخَرجتُ
عَنْ قانون أُلوهِيتِكَ وأطَحتُ
بِهذا الدستُور
وفتحتُ رموزَ قُيودِي
وهَاجرتُ الكَهف المسحُور
هَكَذا أنا
حِينَ أحِب أقِيمُ الليلَ
احتِراقًا وأشواقًا
وأهبُ أيامَ العُمر نُذُورا
وحِينَ أهدَرُ
أمحُو التَاريخَ كُلَّهُ وآتي
بِعصُورٍ غَيرَ العصُور
مَنْ قَالَ أنَّ البُعدَ مَوتٌ؟
فَالبُعدُ حياةٌ لِكلِ مهدُور
ودواءٌ عظيمٌ ولو مُرًّا
لِذِي القلبِ المَنحُور
مَضيتُ في ساحة الدنيا
والشَوقُ يُدَاعِبُ السطُور
وكُلَّمَا حَاولتُ العَودةَ كَانَ
المَشهَدُ في رأسي يَدُور
يسرقُني الحَنينُ يومًا
ويجتَاحُني الكُرهُ شُهورا
وشهُور
وإذا حَلَّ بِي الظَّمأُ أتَذكرُ
أنَّه لاَ ماءَ في الصخُور
يَحلو البُعد ويَروقُ لِي
فَلاَ كَانَ ألمًا ولاَ مشَيتُ
والشَوكُ لِي منثُور
فَلاَ تُفَتِش عن ذنوبي فَإنْ
كانَ البُعد ذنبًا
فَهوَ حَتمًا حَتمًا مغفُور
أنَا إنْ كُنتُ في عَينَيكِ قَاتِلٌ
ففِي عَينِ الدُّنيا أنَا المقتُول
فَكُلُّ ما أهدَيتَني كَانَ وهمًا
كانَ كَذِيًا
وأصبحَ هبَاءَ منثُور
رَاقَ لِي البُعدُ فَلَا تُفَتِش
عن ذنُوبي
إني رحلت مهزوماً مكسُور
إنْ كَانَ الرحيلُ خطِيئتي
فَإني رحلتُ
إلى سَاحةِ الدنيا أبحَثُ
عنِ النور
رحَلتُ حِينَ كَانَ رِحَابُكِ
أشَدَ ظُلمةً مِن ظُلمةِ القبُور
حسام الدين صبري/
أخر ماتبقى من الشعر
معرض القاهرة للكتاب 2024
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق