يوم من عمري
كان ذلك هو اليوم الاخير من الصف التاسع الاعدادي قبل الخروج الى العطله الصيفية، والانتقال الى المرحله الثانوية في مدينه الناصره.
وهو ما سُمًِيَ يومئذٍ بيومِ التراث، وكان يوما ترفيهيا وثقافيا مفتوحا لكل الطلاب ليظهرو فيها مواهبهم وابتكاراتهم الثقافيه والترفيهيه المختلفة، وكان المكان ساحات المدرسة، واعدت طاولات الطعام في الصفوف.
وكم كانت سعادتي وانا اتجول في ساحات المدرسة واشاهد الفعاليات لمختلف صفوف المدرسة، فذلك الصف قد بنى خيمة بشكل مخروطي كخيام الهنود الحمر، ولبسو كزيهم ووضعو الاطواق على رؤؤسهم، تزينها ريشة وضعوها في اوسطها عَلَت فوق رؤؤسهم.
وذلك الصف بنى حَلبة ووضعوا فيها بعض الاحصنة كحلبات رعاه البقر، ولبسو كَزيّهم ووضعو على رؤوسهم قبعات كقبعاتهم، وها انا اقترب الى ذلك الصف الذي بنى خيمة كخيمة البدو، ووضعو فيها ما امكن الحصول عليه من الادوات التراثية، وخاصة ادوات القهوة المُرة يستقبلون الزائرين بها يجسدون الكرم البدوي المعهود، وقد لبسوا الزي البدوي الاصيل، فانتابني شعور كأني اتجول بين الحضارات والعادات المختلفه للشعوب.
وعلى الجانب الاخر من الساحة
ارى احد الصفوف قد بنى مسرحاً صغيرا بامكانيات بسيطه، يعرضون مسرحيه فكاهيه اظهروا فيها مواهبهم التمثيلية ادخلو فيها الضحك والفرح على الحضور، وليس ببعيد صف اخر يطرب الحضور بمواهب طلابه الغنائية، ويعزفون الالحان الجميلة يبدعون بمواهبهم الرائعة، وها هو الصف الموهوب في الدبكة الشعبيه والزجل الفلكلوري يلبسون الزي الفلسطيني الاصيل، ويدبكون بمهاره على صوت المزمار الطربي الحنون.
وكنت ازداد سعادة عندما ارى المعلمين والمعلمات يشاركون الطلاب والاهالي فرحتهم، ويذوب التكلف والفوارق العمريه بينهم ولكن مع حاجز الاحترام.
وكان كل معلم ومعلمة يتجولون على صفوفهم، يشجعونهم ويطرون على مواهبهم وابتكاراتهم، وها انا ارى من بعيد امهات الطلاب قد احضروا الاطعمة البيتية المختلفة، وكأنهم ايضا اظهروا مواهبهم وابدعاتهم في الطبخ.
وتعاون الاباء والامهات على وضع الطعام على الموائد، واشترك الكل في الاكل، الطلاب مع المعلمين والاهالي في جو من الالفة، واحسست بشعور فرح صامت وانا ارى هذا القرب المشترك بين اهل البلد الواحد.
وبعد الانتهاء من الاكل تعاون الجميع على الترتيب والتنظيف
والاستعداد لوجبه العشاء في اخر اليوم، وكانت كل هذه المشاهد كأنها فسيفساء جميلة
جمعت عينات صغيرة من حضارات وعادات لشعوب مختلفه من ابداعات الطلاب، زينتها تلك الالفة والمحبة بين الفئات العمريه في البلد الواحد، فخِلتُ أن الطلاب ارادوا ان يظهرو للاهالي ابداعاتهم وانهم سابقو سنهم، اما الامهات والاباء كأن لسان حالهم يقول: "يا ليتنا نعود اطفالا كما كنا"، ويغبطون ابنائهم كأنهم ارادوا تبادل الادوار.
اما انا فلديّ شوق وحنين الى الماضي وايام الفرح الحقيقي والبركة ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق