حالةٌ سورية
حسين ابو الهيجاء
كانت مختلفة تماماً ..
تلك العجوزُ العصيةُ على الدموع ..
غيرَ انها بدَتْ في ذهولها و شرودها ، وسط الزُحام المحتشد في دائرة العدل ، كانها في حالة اغتراب .. عن المكان و الزمان !
موظفُ الدائرةَ في المحافظة الريفية ، و الذي تزيّن في بِزّتهِ الانيقة ، و شعرهِ المُصفف بعناية ، و رغم انبعاث رائحةَ عِطرهِ التي عبقَتُ في المكان ،، بدا كأنه يشربُ احزانَها متعاطفاً ، حتى رشحَتْ شُحوباً على وجنتيه .. و انتابه شعورٌ دافقٌ لمحاولة انتزاع بعض الآهات الموجِعة من صدرها ، و بعض الاحمال القاسية عن كاهليها .. !
تلك العجوزُ العصيةُ ، و رغم عظامها المُتفسخة ، و هامتها القطنية ، التي أوردتْ انحناءةً في كتفَيها ، و رغم انحباس بركان الالم و القهر الثائر ، الذي تكتمه في صدرها ، غير انها كانت عنيدةً في وجه الزمن .. و تبدي صلابة ً كأنما اشتقّتها من جبل قاسيون العظيم !
دنى منها ذو العطر الفواح ، و ربّتَ على كتفها بحنوّ الابناء ، و بحنوّ الامومة ِ، أعطتهُ سمعَها ، و ابتسامةً مجروحةً من جانبِ ثغرِها ..
كانت شفتاهُ ، تتحركان عن كلمات " كنسمات صيفية " ، ، إذ اجتهدَ كي يأتي صوتُهُ دافئاً و لطيفاً ، و كانت توميء له ، من خلال غصّةٍ في حلقها ، و صوَرٍٍ نازفةٍ في ذاكرتها ، و لسانُ حالِها يقول :
- معذورٌ انت يا ولدي ، فانت لم تختبر حجم الوجع ، عندما يكون المُصاب فوق طاقة البشر .. ، أنت لم تشعر باخطبوطِ الحُزنِ ، وهو يلوكُ اعماقَ قلبِكَ و روحك .. ، أنت لم تذُقْ مرارةَ الرحيل الابديّ ، لِمن تركوكَ تكتشف ، أنكَ كنتَ تحيا لاجلهم .. !
انت يا ولدي ، لم تختبِر قساوةَ أن تعيشَ ( ميتاً ) !
و أن تفقد كل حواسّكَ .. و تنفعل بحاسةٍ واحدةٍ فقط ..
حاسةَ " الفقد و الاغتراب " !!
………… …………
أيقظَها من شرودها ، صوتُ مراسل الدائرة ، عندما تناهى الى سمعها منادياً :
- الحاجة ( ……….. ) ، لم تُنجَز أوراقُكِ بعدُ سيدتي ،
عودي بعد شهر آخَر ،،، انتهى ..
كتَمَتْ الآه في صدرها ، و تمتَمَتْ في سِرّها :
- أعلمُ أن العدالة في السماء فقط .. يا ولدي !
و استدارت ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق