السبت، 14 ديسمبر 2024

صاحب الفكر الإقصائي / بقلم/ فؤاد زاديكى

 صاحب الفكر الإقصائي

بقلم: فؤاد زاديكى
صاحبُ الفكرِ الإقصائيّ هو إنسانٌ يقفُ عند حدودٍ مغلقةٍ من التفكير، حيث لا يرى في العالم سوى ما يوافق معتقداته، و يرفضُ الآخرَ بشكلٍ قاطعٍ. يعجزُ هذا الفكرُ عن تقبّل التنوّع الذي هو أساسُ الحياةِ الإنسانية. يرى الإقصائيّ أنّ الحقيقة المطلقة ملكُه وحده، و أنّ كلّ من يخالفُه إمّا جاهلٌ يحتاج إلى الهداية، أو عدوٌّ يجب القضاء عليه تحت التّهديد أو التّرهيب.
هذا النوعُ من الفكرِ غالبًا ما ينطلقُ من خوفٍ عميقٍ من التغيير، و من رغبةٍ متأصّلةٍ في البقاءِ في الماضي، حيث يتشبّثُ بصورٍ مثاليةٍ عن زمنٍ ولّى، فيرفضُ التقدّم و ينكرُ التطوّر. يعتقدُ صاحبُ هذا الفكرِ أنّ أيّ اختلافٍ في الآراء أو القناعات يُهدّدُ هويّتَه أو وجودَه، فيتحوّل إلى أداةٍ دفاعيةٍ هجوميةٍ، يستخدمُ فيها العنفَ المعنويّ أو الجسديّ لفرضِ رؤيته.
هذا الفكرُ لا يكتفي برفض الآخر، بل يسعى إلى محوه أو إخضاعه. يُلغي الحقَّ في النقاشِ الحرّ و يُشيطنُ أيّ محاولةٍ للفهمِ أو الحوار. نتيجةً لذلك، يصبحُ التعايشُ مستحيلًا في ظلّ هيمنةِ هذا الفكر، حيث يُبنى جدارٌ من الكراهيةِ و سوء الفهم بين أصحابِ الفكر الإقصائيّ و المجتمع.
لكن كيف يمكن التعاملُ مع هذه العقليةِ المتطرّفة؟
أولًا، لا بدّ من إدراكِ أنّ مواجهةَ الفكرِ الإقصائيّ لا تُحسَم بالعنفِ المضاد، لأنّ هذا يزيدُ من تصلّبِه. بل يجبُ أن تُواجَهَ بالحوارِ الواعي والعقلانيّ، حتى لو بدا ذلك صعبًا. الحوارُ هو السلاحُ الأهمّ لتفكيكِ الأفكارِ المتطرفة، لأنّه يفتحُ بابًا للتساؤلِ و النقاشِ، و هو ما يخشاه الإقصائيّ.
ثانيًا، لا بدّ من الاستثمارِ في التعليمِ القائمِ على التنوّع و قبولِ الآخر، لأنّ العقليةَ الإقصائيةَ غالبًا ما تتكوّنُ في بيئاتٍ تُعزّزُ الانغلاقَ الفكريّ و التلقينَ الأحاديّ. التعليمُ يجب أن يكونَ وسيلةً لتحريرِ العقولِ، و زرعِ قيمِ التسامحِ و الاختلافِ البنّاء.
ثالثًا، يجبُ العملُ على تقديمِ نماذجَ حيّةٍ للتعايشِ الناجح، حيث يتمكّنُ الناسُ من رؤيةِ فوائدِ التنوّعِ في حياتِهم اليوميةِ. القصصُ، التي تُظهرُ أنّ قبولَ الآخرِ يمكنُ أن يكونَ مصدرَ قوّةٍ و ازدهارٍ تُساهمُ في كسرِ القوالبِ النمطيةِ و تعزيزِ التّفاهمِ.
أخيرًا، يجبُ أن يكونَ هناك تطبيقٌ صارمٌ للقوانينِ التي تحمي حقوقَ الإنسانِ و تُجرّمُ خطابَ الكراهيةِ و الإقصاء، لأنّ التساهلَ مع هذه الممارساتِ يفتحُ المجالَ لمزيدٍ من التطرفِ و الانقسام.
صاحبُ الفكرِ الإقصائيّ هو نتاجُ بيئةٍ مضطربةٍ و خائفةٍ من المجهول، لكنّ مواجهتَه لا تعني محوَه كإنسانٍ، بل السعيَ إلى تغييرِ ظروفهِ الفكريةِ و الاجتماعيةِ. بذلكَ، نتمكّنُ من بناءِ عالمٍ أكثرَ عدلًا و تسامحًا، يُرحّبُ بكلِّ صوتٍ و فكرٍ، مهما كانَ مختلفًا.
المانيا في ١٢ ديسمبر ٢٤


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مدينة الزهور / بقلم / سعيدة لفكيري

  مدينة الزهور بهوائها الجميل ورائحة زهورها العطرة وطيبة ساكنتها ترحب بكل محبي الطبيعة وما أجمل الورود في بساتينها وحدائقها روعة تعيد للقلب...