الثلاثاء، 26 مارس 2024

وجعٌ من الداخل / بقلم / مصطفى محمد كبار

 وجعٌ من الداخل

إذا متُ يوماً
لا تدفنوني ككل الأموات
الراحلين
فلا أستطيع احتكار كل هذه
الكفر الذي يعتليني
دعوني مع الحجر أكمل شرح
قصيدتي
اتركوا جثتي على الأرض
بمكانها على حالها
كي ألملم ظلي المكسور
لآخر مرةٍ
فالوقت يفرُ كالبرق مني
مسرعاً
و لا أملك من الإنتظار
أكثر
من الأحتمال في التمعن
فدعوني للموت القريب
ليمارس حقه بنهايتي
اتركوا الذباب و النمل
تأكل
من جسدي و تأخذ حصتها
الكبرى
لا فائدة من القاعدة من
تلك الأقدار
دعوني حتى أتفحم بالعفن
الأخضر
و الريح دعوه يحمل بقايا
رفاتي للمدى البعيد
كذكرى للملائكة الصغار
هناك
فلا أريد أن يغطي جسدي
تراباً و حجر
و لن أرضى بطقوس البشر
في النفاق على طريقة
السابقين
أي بمعنى
دفن ٌ على طريقةُ الراحلين
فأنا أبحث عن التميز في
الرحيل
أريد وحدةٌ خالصة بالموت
خالية من الضجيج و
ساهية
فلا تهمسوا بآيات القرآن
و تترحموا علي
بفرقة الوداع المزيفة الكاذبة
بلغة العربدة المعتادة
فكل أناشيد الوداع خبأته بين
شرايني
لكي لا يفهموا لغتها خطأً
أؤلئك الحاقدين
اتركوني بجانب جدارً مهدوم
بلا غسيل الجنازة
و ابتعدوا لألف ميل عن
موتي
فالموت هي مهنتي بالغياب
المر منذ الأزل
فهو يعرفني و أنا أعرفه
فلا شيءٌ جديد إن جأت
ساعتي للرحيل
و أنهت مآساتي بألف طعنة
حين يقسو الزمان عليَ
و يئن حنين الماضي لأم
الحكايات
قال العمر كلامه و مضى
دون
أن أدرك كلام المقتول حين
رسى بالمغيب
فأنا عاثر الزمان و عاثر
المكان
جرحٌ و كرب بالعمر بقيا
يغلبان
لا سرَ لي على درب الموت
سوى
خطأٌ كبير بيني و بين
الحياة
فأنا أم الموت بالبداية و أبوه
وأنا ابنه الوحيد
فكيف سأحترم القيامة من
بعد هذا الموت
و أنا أرى في كل لحظة هناك
نكسة مميتة
فإني أنثر من آخرتي كل
شيء حاقدٌ
وحيداً كنت بهذه الحياة بجرحي
الطويل
دائماً كنت بلا شيء
لا أجنحة تحملني لأنجو من
السقوط
و لا شراعٌ لمراكبي بين أمواج
اللعنات
بالقهر و العذاب كانت رحلة العمر
البائس
وحدها رفقة الوجع مع العمر
كانت تؤلمني
فالعدل يجب أن يكون هكذا
لا حياة
إذاً
لا قيامة
فدعينا نتبادل الأدوار يا أيتها
الحياة أنا و أنتِ
أنا أحيا بلون الصباح
و أنتِ تحملين خيبة العمر
بطول السنين
فحتى حياة بسيطة هادئة
لم أحظى بها
إذاً ......
فلا يحق لآلهة العقاب
إذاً
أن تحاسبني من بعد موتي
كما الآخرين
قالوا لنا الموت حق
قلت و الحياة قبل الموت
أهو ليس حق
فعند حياتنا نحيا فلا
نحيا
أليس من حقنا كي نحيا
قليلاً
و نسرق من الهواء ما يكفي
لنحيا و لو قليلاً
لا لشيء
كي أرضى بالقيامة و أنا منحيَ
الرأس
لتخضر بصدري بوسعها
زهرة البنفسج
لأرضى بمن يحمل صفة
القاضي بعد هذا
الموت
و أسلم للملك كل ملفات كتاباتي
و انكساراتي
فجسدي مازال مثل الحجر
و لون دمي أسود
كيف سأحترم من يهلكني
بالحياة
و يشيد بالعمر بوقت
الوجع
فذاك القدر و ذاك الضمير
المقتول
و بين ذاك و ذاك شاخت
كل السنين و متنا
محبطين
فلم أعد أصدق كلام
القدماء عن الفردوس
و لا الحديث عن آلهة الغياب
و رحمتها
أمضيت ألف عمر و أنا أمارس
طقوس العبادة بالعبث
و لست متمرداً معتوهاً لكي
أبدو من الكافرين
فحاشى لله لكني ذقت
مرارة
الإنكسار الأوجع عبر التاريخ
و كل الأزمنة
دون أن أحمل صفة الأنسان
الحي
انكسرت و خسرت ُ
حزنتُ و بكيتُ حتى
ملَ
مني البكاء من الصدمة
تضحرجت مذبوحاً دون
أن أصرخ للنجاة في القصيدة
و تألمت بألف هزيمة
ثم أدركت باليقين الكبير
بأن الحياة و الموت هما
كذبتنا الكبرى
نمشي متعثرين بكل الخطوات
تائهين
نركض ثم نتعب ثم نتعب
ثم ندونُ ماخسرناه بجدار
القلب و نبكي
لا شيء يملكنا كي نرتاحَ
من وجع الحياة
على ما يبدو بأننا كبرنا
خائبين
نمضي خلف السراب
و نتوهم من القدامى عن
فرجٍ قريب سيأتي بالدعاء
نتحايل
بكل أوجاعنا و نكاساتنا
على أنفسنا بأننا مازلنا
أحياء
و الآلهة ستعوض خسارتنا
بعد هذا الموت
فأقول لشبحي من حمل
بجسده ألف جحيم
وحده يدرك بسيرة ما كان
و ما سيكون
لا شيء في الغد سوى
النسيان
سأكتب ما يليق بخيبتي و
هزيمتي
كوصية المتوفي للقادمين
من لون الليل
البعيد
لا مكان في جسدي لهذه
الحياة
وجعٌ و جرحٌ ثم و جعٌ ثم
جرحٌ هي هكذا
مكررٌ صدى الإنكسار على
وتر القديم
فلا أستطيع أن أمارس كما
الآخرين عبادتي
لا وقت للصلاة للمذبوح
الراقص سوى
الصراخ من الألم و الوجع
هنا يا أيها البعيد القريب
لا أجد السكينة
لقد اكتفيت من لون حزني
الثقيل
و أدمنت سيرة الموت بمشنقتي
و بمفردات لغتي
سيأتي من سيأتي
و سيغيبُ كل الذين طعنوا
الروح بموتي
أنا أدرك ذلك تماماً و
جيداً
و الذي سيأتي
سيأتي فقط ليطمئن بأني
هو نفسه المتوفي
ثم سيمضي فرِحاً بالخبر
السعيد
فتلك التي طعنت و هربت
للشيطان
لن تندم بجرمها
هي ستراقب عن كثب ساعة
موتي لتحيا مرة أخرى
فيا أيها العابرون من
حياتي
لكم جرحي بذكر السنين
و كلماتي
أمَ أنا لي أزليةٌ بصدى الأشياء
المتعثرة
فأنا سفر الهلاك القديم
و الأرقُ مازال يرنو بوجعي
بيوم الرحيل
من ألمي و شدة معاناتي
كالغريب كاليتيم
اتركوني
ألملم ندم غربتي و نكستي
و لا
أريد منكم الكفن الأبيض
لجسدي
أريد كفنً من سواد الأيام
أن تغطي نعشي
لا أريد اختلافاً كبير
بين
ثوبٍ قبل الموت و ثوبٍ
بعده
و لن أندم بسفري الأبدي
بركن الخاسرين
فقسمتي كانت و مازالت
أن أرقص بوجعي
بالهزيمة
و لن أنام بارداً كما ينامون
الأموات ببرودة الوداع
سوف أضع رأسي على
حجرٍ
و أحرقه بذاكرتي كي
أحظى
بلحظة المنام الهادئ و أحلم
بالقمر
فأني ورثت من الأقدار ما
ليس غيري ورثه
عمرٌ كهل تعثر أمام الريح
و يداعبه الأوجاع
و سيرةٍ ذاتية لا تحمل
إلا
صور الموتى و طعنة
الراحلين
فلن أغير من تقاليد الزمان
شيئاً
لا قبل الموت و لا بعده
و لن أشهد لتلك الطفلة
بأنها ماتت بين يدي
وحيدة
و هي تبحث عن لعبتها
بقلب الفراشة
و لن أخبرُ الصليبَ عن الفاجعةِ
الكبرى و ماذا كان
فكل الأشياء قد كان
فإنقلب التاريخ على الأحياء
بوفاتي
يا أيها الموت خذني معك
بقصيدتي للبعيد البعيد
كفى .......
انتظاراً على باب الكنسية
بصلاة القدسين
و أنتَ تأخذ من جسدي الروح
تذكر لحظة ولادتي
و لا تعتذر يا أيها الموت
إلا
من دموع أمي خلف النعش
و قل لها .......
بأن ولدك قد ماتَ من
سوء الولادة
و شاخ محبطاً قبل أن
يرى لون الماء
فتباعدت عنه السماء
قصداً
كي يجسَ لغة الحزن بالأبجدية
و يبكي
و الأرض قد استوحشت بسجودها
بقدومه عند الولادة
قد ذهب كل شيء جميل
من حياتنا بلمح البصر
و أسرتنا غربة الأرواح
البريئة
كانت لي أحلامي الصغيرة
هناك
كسنبلة القمح قبل موتها
و لم أكن سعيد ُ الحظي
يوماً بحياتي
فقد أجهدني القهرُ بكل
شيء
و خذلتني كل العناوين
فكل الأشياء التي دارتْ بالعمر
كانت لعنة
قد سئمت الانتظار عند
الفجر المريض
و لم يبقَ عندي ما يؤجل
سفري الأخير
فإحملني يا أيها الموت مع
الغيم كما تريد
بأجنحة الريح نحو البعيد
البعيد
خذني لعالم الغياب إلى
أماكنَ خالية
كي أرتاح من ضجري و من
شغب الأيام
و إنسى زمن طفولتي و صور
ذكرياتي هناك
خذني معك يا أيها الموت
دون أن أبكي
كرشفة العاشقِ المجنون
بقبلةٍ قاتلة
فكل أيامي في الأحزان
هي هاوية
خذني بنشيد الحالمين إلى
الغياب
حيث تكون النفس مطمئنةٌ
راضية
فقد لقينا ما لقيناه من
هلاكنا
فعجل بشغف اللقاء إلى
الحدس المترقب
و إني
قد كتبت نصف الوصية
دون الخاتمة
فعلى شاعرٍ آخر من بعدي
أن يكمل البقية
فخذني يا صاحبي
كشيءٍ
خفيف الظل للمدى
الوردي
إلى سماءٍ زرقاءٍ
صافية
مصطفى محمد كبار
٢٠٢٣/١/١٤ ابن بعدينو


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الميماس والدبلان / بقلم / سليمان أباالحسن

  الميماس والدبلان في حمص طبت خيولنا شد أعنتها رقص الخبب وديك الجن هام بسكرته وأفرغ ناهلا خمر القرب إنها حمص ابنة عاصيها غرر نواصيها فخر ا...