السبت، 10 فبراير 2024

تلميذي أحمد / بقلم / فوزية الخطاب

 تلميذي أحمد

اعتاد الجلوس في المقعد الأول، أحمد تلميذ في السادسة عشر من عمره، يدرس سنة أولى (بكالوريا علوم رياضية)، بشرة بيضاء مائلة الى السمرة، عينان واسعتان تنم عن روحية التحدي والصمود، شعر أسود مجعد.
أحمد يحضر في الوقت الملائم، يطلب الاذن بالدخول للفصل، قبل بداية كل حصة، يجهز كتبه، ينتظر بدء الدرس بكل حيوية، أثار انتباهي، شد اهتمامي بأخلاقه العالية، والتزامه، توالت الأيام، ديدنه ثابت لا يتغير، التزام، انضباط ومشاركة مميزة داخل الفصل. في إحدى المرات، طلبت منهم نشاط( مهارة تحليل الصورة)، كانت صورة لأطفال فقراء في حالة مزرية، وهنا كانت المفاجأة... فقد صاغ نصاً غاية في الروعة والجمال، دمعت عيناي وهو يقرأ نصه المميز، بكل تأثر، كأننا أمام لوحة فنية لصورة حية من صور المجتمع، تعالى تصفيق زملائه، ربتُّ على كتفه وهنأته على مستواه العالي في الكتابة، انتهت الحصة...انصرف الجميع، بقي يجمع أدواته وكأنه تعمد التأخر محاولاً التكلم معي، سألته:
- أحمد هل تحتاجني في شيء؟ أتريد أن تخبرني بأمر ما؟
- نعم... أستاذتي.
اختلطت كلماته بالدموع، اقتربت منه، مسحت دموعه، وهدأت من روعه.
- اسمع ياأحمد، اعتبرني مثل والدتك، قل لي ماتريد أن تقوله، دون أي تردد، وكلّي لك آذان صاغية، ومستعدة بصدق لمساعدتك.
- فقط يا أستاذتي... أحببت أن تشاركيني همي لأني شعرت أنك قريبة جداً مني، أنا يتيم الأب، ولامعيل لي، فأنا أدرس وفي الوقت نفسه أعمل، كي أعيل نفسي وأمي، وأختي الصغيرة، تنهد بعمق وحسرة، توقف مطأطأ راسه خجلاً، وأكمل:
- بعد العودة من المدرسة أذهب مباشرة للعمل في السوق، إلى وقت متأخر من الليل، أعود لأراجع دروسي، أنجز واجباتي...أخلد للنوم دون عشاء، لأنني أعطي حصتي لأختي، هكذا هي حياتي، وهنالك الكثير أمثالي أستاذتي.
حزنت لحال، هذا المتعلم الذي يحمل عبئاً ثقيلاً، وهو في هذا السن الصغير.
- هل ما تحصل عليه من عملك يسد حاجتكم؟
بكى بحرقة وألم، تناثرت دموعي حزناً وألماً عليه، فأنا بطبيعتي لا أتحمل مثل هذه المواقف.
- الحمد على كل حال أستاذتي.
شعرت أنه أحسن الظن بالله، وهذا ما جعلني أحترم فهمه للحياة، ورضاه بالقدر الذي كتبه الله له، رفع راسه وأكمل:
- لذا أدرس ليل نهار لأدخل إحدى الكليات الطب أو الهندسة... يوماً ما سأكون أفضل وأحسن وأكون قدوة لغيري في الصبر والتحدي.
وقفت احتراماً لهذا البطل، الرجل الصغير، فهو مثال يحتذى به في التفوق والصبر والتضحية، وعدته أن اكون سنده الى أن يحصل على شهادة الباكالوريا، وأن يُقبل في إحدى المؤسسات الساندة المعينة، أعطيته رقم هاتفي، وقلت له:
- أحمد... أنت من الآن أحد أبنائي، وأي شيء تحتاجه أوفره لك، اعتن بدراستك لم يبق الا الشيء القليل وتنهي هذه المرحلة، قام من مكانه وقبل رأسي، معتذراً بأدب عالٍ كونه أخذ من وقتي، وهذا بحد ذاته عمل كبير.
لم يخب ظني، ولا ظن باقي أساتذته الذين انضموا لدعمه، حصل على المرتبة الأولى على الصعيد الوطني، أنهى السنة الثانية باكلوريا بمعدل مشرف جداً.
أحمد اليوم يدرس في كلية الطب المرحلة الاخيرة، يحصد المراتب الأولى كما عهدناه، كل عام، لم ينقطع تواصلنا، أتلقى رسائله التي تزيدني فخراً، كوني معلمته، وأنني درسته يوماً ما، وكان اختياري له ناجحاً.
في أحد الصباحات توالت رسائل التهاني بيوم الجمعة، كانت إحداها تقول:
(كيف حالك ماما، لقد اشتقت إليك، أتشرف بحضورك حفل تخرجي من كلية الطب أول الشهر القادم)
ابنك دكتور أحمد
بقلمي
فوزية الخطاب
يوم الجمعة 2 فبراير 2024


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أذكريني / بقلم / رجب كومى

  قصيدة بقلم الشاعر رجب كومى بتاريخ 2825/1/27 بعنوان أذكريني حبيبتي مابيننا صار عشقا اياك أن تخمد مشاعرك فليس هوانا عشق تائها او ملمح محياكي...