يوميات أناس عاديين
384
***********
اختلطت في رأسي أفكار متداخلة عن الولادة ، عن الموت و الرعب والفقر و الحاجة والبؤس و الصراع من أجل الحياة .. عن الأمل و السعادة .. عن الرفاهية وعن الواقع البئيس لمعظم الناس .. عن وسائل الإعلام الموجهة لسحق البشر .. عن الأجساد النحيفة الصغيرة التي تجوب الشوارع بحثا عن لقمة العيش .. عن تناقضات مجتمع من الصعب استيعابها .. عن دروس طالما وضعنا لها نقطة في آخر السطر و قلبنا الصفحة ونسيناها .
عدت لبائع الشكولاطة " آدم " الذي فصح لي عن اسمه أخيرا .. آدم الذي يركض على مضمار لا يدري متى سيعيده إلى نقطة الإنطلاق ، ورغم ذلك لا يستسلم لتقاطعاتٍ ومنعطفاتٍ وعِرَةٍ ، ولا يخشى الضياع .. فهو ضائع أصلا. هو يركز كل اهتمامه على نقطة الصفر التي يتربع عليها وحيث تتشابك خيوط قصته وتتناسل حكاياته وتتكاثر انشطاريا .. تتفرع عن النقطة المركزية العَدَمية ، حكاياتٌ دراميةٌ تهم محيطه العائلي .. آدم سيكسر أفق انتظاري و أفق انتظار القراء لما تحدثنا ــ أنا وهو ــ عن أشياء لفها الصمت وانحدرت إلى النسيان . كل اهتمامه في الوقت الحالي هو البحث عن الأكل و لا يعرف أنه المأكول في النهاية .
سألته عما إذا كان يشعر بفقدان أبيه الذي رحل إلى مدينة أخرى . أخبرني أنه هناك يدبر معيشته بعد أن تحصل على دراجة ثلاثية العجلات "triporteur " .. قالها بفخر واعتزاز .
صمت صمتا عميقا عجرتِ الكلمات عن غَمْرِه . ثم قال : كان بودي أن يكون بجانبي أروي له كل ما تعلمت في المدرسة وأنا أتلمس يديه الخشنتين .. أن أغمض عيني وأحكي له تماما كما كل طفل ما زال يعُدُّ أعوامَه على أصابع يده ، لكن اليوم لم يبزغ القمر ، ونور الشمس هرب من ذلك البيت الذي كان معطرا بأنفاس أبي .
بقلم
أسيف أسيف // المغرب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق