الاثنين، 6 نوفمبر 2023

تضحية بَطلها كلب / بقلم / أحمد علي سليمان عبد الرحيم

 (تضحية بَطلها كلب!)

شعر / أحمد علي سليمان عبد الرحيم
ديوان: (السليمانيات) & جزء: (الطبيبتان!)
موقع (الديوان) & موقع (الشعر والشعراء: صوت وصورة) & موقع (كتوباتي) & موقع (عالم الأدب) & موقع (أدب – الموسوعة العالمية) & مكتبة (نور)
(في ليلةٍ شاتية ، وبينما كان أحد الرجال عائداً من مناوبته الليلية في عمله الراتب ، شاهد جرو كلب صغير قد ذهب به المطر مذهبه ، واحتار كلٌ منهما ماذا يفعل؟ وكانت حيرة الكلب أنه لا يجد مأوى ، ولم يهتم به أحد ، ولذا بات يرتعشُ من البرد والغيث! بينما كانت حيرة الرجل ماذا يفعل لهذا الكلب؟ وبعد لأي وتفكير عميق استقر رأيُه وأخذ قرارَه بأن يصطحب الجرو إلى داره! وخلع الجاكيت ولف فيه الجرو إشفاقاً عليه ، وأخذه إلى داره! وهناك أصلح من شأنه ، ووضعه في حديقة الدار ، وأتى له ببعض الطعام والشراب ، وأعد له خيمة تأخذ شكل الكهف في تصميمها ، في أحد جوانب حديقة بيته لتحميه من المطر! وأسمته ابنته الصغيرة (لوماردي) ، وصار الجميع يُسمونه هكذا نزولاً على تسمية البنت! ومن يومها والكلب لوماردي لا يغادر حديقة المنزل ، ودان بالولاء لأهل المنزل! وبات يحرسُ المنزل وأهله بكل قوةٍ وشراسة! وطلبتِ البنت الصغيرة من أبيها أن يربطه بحبل يأخذ شكل السير من الجلد ، حتى لا يهرب من البيت أو يأخذه أحد من خيمته! ودار الزمان دَورته ، وكبُر الكلب وترعرع وجاء يوم امتحانه! حيث إنه في ليلةٍ شاتية كالتي جاء فيها الكلب ضيفاً على هذه العائلة في بيتها ، وبينما أهل البيت يغطون في نوم عميق مُشْعلين مدافئهم وملتحفين ببطانياتهم ، ولم يكن صوتٌ أبداً في المكان إلا صوتَ المطر الثجاج المنهمر ، رأى لوماردي ألسنة اللهب تندلعُ من مطبخ البيت من الطابق الثاني! فاحتار الكلبُ ماذا يفعل؟ وأخذ في النباح حتى يوقظهم فلم يسمعوا! فتسلق الحوائط والنوافذ ، مُضحياً بنفسه ، وُصولاً لغرفة نوم راعي الدار وصاحب الفضل والجميل عليه! وأحدث ضجة عاتية ونبح بالقدر الذي تبقى في صوته ، حتى استيقظ الرجل وأدرك الأمر ، وشاهد ألسنة اللهب وسُحُبَ الدخان تندلعُ من نافذة المطبخ! وأدر ك جيداً أن أسرته في سباق رهيب مع الموت المحقق الوشيك! فأيقظ الكل وأنزلهم من السُلم الخلفي للدار (سُلم الطوارئ) بسرعةٍ مذهلة! واتصل هاتفياً بالإطفائيين الذين جاؤوا على الفور ، وأمكنهمُ الله تعالى من السيطرة على الحريق ، وإنقاذِ ما أمكن إنقاذه من البيت! واحتفلوا مع العائلة بكلبهم (لوماردي)! حيث إنه ضرب أروع الأمثلة في التضحية والفداء! وبيّن لهم ولنا الفارق الكبير بين سلوكه (وهو الكلب) وسلوك بعض الآدميين الذين يُخربون بيوت رفقائهم وأصحابهم وربما أقاربهم من ذوي البشر ، عامدين متعمدين ، مع سبق الإصرار والإعداد والترصد! وإنه لشقيقٌ دنئٌ رذيلٌ شقي ، من يكون خرابُ بيت أخيه وسرقة متاعه على يديه! واحترتُ ماذا يكون عنوان هذه القصيدة؟ كما احترتُ على لسان من أكتبها! وأخيراً اخترتُ أن يكون حاكيها لنا هو (لوماردي) واصفاً المشهد برٌمته من ألفه ليائه! متذكراً ما كان من الرجل منذ التقى به في ليلته الشاتية الأولى ، ليرد جميله عليه ، حتى كانت ليلته الشاتية الثانية! فلله درك يا لوماردي! ليت الغادرين من بني البشر يُدركون عِظم ما فعل لوماردي من التضحية والفداء ليستلهموا الدرس ، ويعوا قيمة الإخلاص لمن أحسن إليهم!)
أرسلَ الغيثُ إلى الخيمة بَردا
وضجيجاً لم يُذِق عينيّ رَقدا
بدأ الأمرُ رَذاذاً ، ثم غالى
والسماءُ أرسلتْ بَرقاً ورَعدا
وكأن الجوَ يَغزوهُ دُخانٌ
بعد أن فاضتْ سماء الكون ثَردا
وأنا في خيمتي أنشدُ دِفئاً
أو هدوءاً من غِياثٍ يتحدى
ليس عندي مِن غِطاءٍ أو كِساءٍ
إنما شَعرٌ كسا لحماً وجلدا
ليس عندي مِن فِراش أو سَرير
للذي ألقاه جَبراً يتصدّى
أبتلى بالغيث إن فارقتُ كهفي
وأعاني - إن سكنتُ الكهفَ - بَردا
أنا في الحالين مِسكينٌ بَئيسٌ
وصديقي قد أناط الجِيدَ قِدا
لم أذقْ في الصيف ضَنكاً أو عذاباً
لم يُعانِ الجسمُ عبْر الليل سُهدا
خيمتي قد أحْكمتْ إلا ثقوباً
كي أرى لصاً على الدار تعدّى
فإذا بي أنظرُ النارَ تلظتْ
ولظاها يَغمرُ الأجواءَ صَهدا
مطبخ الأهلين أرداه احتراقٌ
ليتني أسْطِيعُ للإحراق خمدا
وصديقي غط في نوم عميق
وغدا الأهلون للنيران صَيدا
كلهم ناموا ، وطعمُ النوم عذبٌ
ليتني بالنبْح قد أسمعتُ فردا
بُح صوتي مِن نباح ليس يُجدي
رغم أن الجسم عانى منه رَجْدا
قلتُ أعْلي الصوت علّ الرأسَ يصحو
علّني للنوم ذا أختط حدا
علّني أنقذ بيتاً مِن جحيم
أو أناساً بيتُهم أصبحَ لحدا
علّني أفدي صديقاً صان وُدّي
حيث كنتُ عنده ضيفاً مُفدّى
مثلما قد صان وُدّي أفتديهِ
والصديقُ المُفتدى مَن صان وُدا
وأنا قطعتُ سَيراً عاق خطوي
ما استطعتُ قط أن أخمد وَقدا
وانطلقتُ كي أفيق الخِل قسراً
وهْو غافٍ ، ليته يُدرك قصدا
واستفاق الخلُ ، لكنْ بعد لأي
وانبرى يُنقِذ أملاكاً ووُلدا
شاكراً فضلي ، ولم يُنكرْ جميلي
بعد إنجاز بذلتُ فيه جُهدا
وارتأى الأهلون في البلوى وفائي
وي كأني في الوفا أوتِيتُ رُشدا
إنني أخلصتُ إذ هم أنقذوني
وأنا كم حُزتُ بالإخلاص مجدا
هكذا الدنيا عطاءٌ بعد أخذٍ
وأنا مذ أخلصوا أعطيتُ عهدا
أنْ أرد الصاعَ صاعين احتساباً
وعلى هذا لهم أعطيتُ وعدا
عيشُنا بين البرايا مثلُ بحر
جَزرُه مهما حَلا يُعْقِبُ مدا
هل لبحر في الدنا أيُ ثباتٍ؟
وأرى العيشَ مِن البحر أشدا
هل وعى الدرسَ الذي بينتُ نذلٌ
حسِبَ العيشَ على الأخذ مُعَدّا؟
لم يعشْ يبذلُ للآنام خيراً
وله لم نلق في الخذلان نِدا
هل وعى الدرسَ أنانيٌ بخيلٌ
عنده العيشُ استوى أخذاً ورَدا؟
هل وعى الدرسَ فضوليٌ خسيسٌ
عنده العيشُ استوى ذماً وحمدا؟
إن للمعروف بين الناس سَمتاً
ليس يأتيهِ خبيثُ الطبع حِقدا
ولفعل الخير شاراتٌ وناسٌ
وله الأوباشُ قالوا: صاح بُعدا
وكذا الإحسانُ لا يأتيه إلا
مُحسنٌ للبذل والجود استعدا
كفه تُعطي وتُقري في سخاءٍ
إنه لله والمسكين مُدا
يرتجي الأخرى ، وللجنات يسعى
رَب وفقْ للهُدى والخير عبدا


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق