الجمعة، 31 يناير 2025

لا يَهُم / بقلم / الشاذلي دمق

 لا يَهُم من وضع الحِبْر .. ربّما هو ! ربّما هي ! .. المُهم أنّ أحدَهما أمْلَى مُهجةَ روحه ، و الآخَر كَتبها بِنَجيع قلبه .. فاقرَأْ أنتَ بمجامع وجدانك

- لو سمحت - فلعلّك تكون أنت هو من وضع :
الحبر على أوراقٍ خَلَوِيّة مِن وراء تُروس الوعي
و مِن خَلف مَنافذ الصَّحْو ..
و في غفلة المُحاذِر ،
و سِنَة الوَسْنان
اِجتاحني الإعصار
و اكتسحتْ أنواؤُه
ضِفافيَ المَحْظيّة .
كَماردٍ بالأنسجة الحيّة
تغلغل في الخلايا النّائمة
و نَفذ إلى تلافيفي النّامية
فَخَلخلَ قناعاتي
و بَلْبَل أنساقِيَ الفكريّة .
مثل الكَهَنوت
عَرّى إحجامي ..
تردُّدي و ارْتيابي ..
حَذري و انْحِساري ..
و اقتحم حُصونَ المناعة
مِن ثغورها الخلفيّة .
هو من كسّر حاجز خوفي ..
و رمَّمَ أحلامي ،
و لَمْلم حُطامي ،
و نفى عزلتي
و أسقط أقنعتي الخفيّة .
خاتلني في الزّمن الجاحد
و فُتور وِدِّيَ التّالِد ..
و للنّخاع و العظم ،
توغّل في جسمي كالشّظيّة .
و بداخلي ، زرع ألغامه .. !
و فَجّر
معجزة النّكران و النّسيان
لأعوامِيَ الغبيّة .
حين باغتَني ،
كان بَلْقَعًا نابضي .
فَغَشيَني غَمْرُه
حتّى اِسْتوى
حُدودَه السّويّة .
أقام نفسه شَمعدانا
تَمتْرس بأعماقي
لا شريك له ،
يُبدِّدُ دُجْنةَ خافِقي
و أغْوارَ الطّويّة
و لأجلي ..
اِنتحَلَ المُعجزَ ،
و المستحيل ..
و طهّرَني
من وَثَنيّةِ الحُبّ ،
و مِن عُقَدي
و تَهْوِيماتي الرّمادية .
و أقْنعنِي
بأنّ كلّ شيء
في مَساري
خاضعٌ للنّسبيّة ،
و لا أحد إلاّ هو
المُطلقُ في حياتي
و الحتميّة .
عَرَج بِي سَنام الشّغَف ..
صار من الذّات نُبذة ..
و مِن الكيان فَلْذَة ..
و رفعني
فوق المَصاطب العَلِيّة .
وهَبَني لذّةَ الأمن
وُجودُه ..
و نشوةَ الحُلم
حُضورُه ..
و شهوةَ الطُّموح
جُموحُه ..
و عوالمَ زاخرةً
رأيتُها قُزحيّة .
جَذَلٌ و إيفاء ..
حُبورٌ و ولاء ..
و نَوَالٌ ،
و فُيُوضُ سُلُوٍّ ،
و مَراتعُ نَعيمٍ مَخمليّة
جَرَفني طُوفانه ..
هَمَرَ في الأوردة و الشّرايين
عُبابُه ..
و بكلّ ما فينا
من مواهب الإيلاف ،
اِبتلعني و ابتلعتُه
زُهاء العشرين حَجّة فَلَكيّة
سَلسبيلاً
تدفّق الوعيُ فينا .
و سَلِيلَ أنهارٍ ،
و أوديةٍ ،
و عيونًا نقيّة .
و بِحارٌ على شُطآننا
هدأت أمواجُها
و أثْباجُها العتيّة .
و صاغ الوجودَ حِلْفُنا ،
فشكّل كِلانا في الآخَر
حضارةً مُذهلة
امتزجتْ بالفطرة
و الذّات و الهويّة .
في عُهدته هو ،
طُقوسُ الاِجتياح
- الماجن و المقدّس - !
و ليس في رَحْلِي
غير شعائر الانبطاح
بلا رويّة .
يااااااا لَلْجَبروت !!!
و يا لَدِيبْلُوماسيّةِ الاِكتساح
على مراحل و منهجيّة !!!
استنزاف الحنين
لامتدادات الماضي ،
و اغتنام الفراغ ،
فاقتناص لحظةِ الضّباب
ثُم تفعيل قانون الجاذبيّة .
زَعَمَ أَنّي
أيقونةٌ للفتنة الكاملة
تَسعى ..
و أنّي ألَقٌ خُلّب ،
و قَدٌّ يَتأوّد ،
و ظبيٌ أغْيَد
تطفح منه الصُّوَر الشّعريّة
و ادّعى أنْ لا نظير لي
إلاّ في منازل الخُلْد
و الحُور السّنيّة ،
وأنّني فَيضٌ إلهيّ عارم ،
مَرَّ عليه
مِن كلّ مَعابر البعث
و الإحياء
بِمُنتهى العَفويّة .
الفؤاد و السّمع ،
البصر و البصيرة
و السّجيّة .
و .. و .. و .. و ..
باختصار ،
زهّدني في آماليَ القديمة
و أنْبتني في الغيم
قصّة أخرى ورديّة .
ليت التّاريخ يُعيد
نفس الحَكايا
و السّرديّة .
غَزواتُ القلب ..
فتوحاتُ الوجد ..
و ملاحمُ النّصر
لطقوسنا البدائية .
كيف أُعيد الآن نقطةَ البدء ؟
و مَركبُ الحياة
يُشارف مَراسِيَ الأُفول ،
و مرفأَ الوصول
لآجاله المَقضيّة ..
لم يعد في العَقِبِ
وَعْدٌ أترقّبُه ،
جُلُّ ما في الرَّوْع
أضغاثُ أمانٍ
و غَثٌّ و عَبَثيّة .
و بدون إشعار ،
تركني
و الفؤادُ كَسِيف ..
طَوقُه كالنّار ،
و الوَلَهُ فيه أَوار
و المآقي نديّة .
انفرط منّي
و تنكّر للعُهدة ..!
و خان العشيرة ..!
فمزّق الوصيّة ..!
و باع القضيّة ..!
و بسرعة فَرْقَدٍ آفِلٍ
و نجمٍ مُتَهاوٍ ،
انسحبَ إلى خطّ التّماس
بين الصّحو و الإغماء ..
بين الخلود و الفناء ..
و تُهتُ أنا
في النّقطة المفصليّة .
إلهي
يَقْظةٌ جامحة كانت هذي ؟
أم رؤى حالمة ؟
بأشباح عابرة ،
و ملامح منسيّة ؟
عِقدان تَشظّيا من عمري
و أنا في مَسعى القِيافة
شحّاذ يَروم ضالّته ،
و لازالتُ إلى الآن
في مَتاهتي اللّولبيّة
بحثتُ عنه
في طَلل الوجوه العابرة ..
في السُّحنات الغابرة ..
في الملامح الحاضرة ..
فما ظفرت بعين
أو أثرٍ له رمزيّة .
قيل أنّ
أطيافه تركض
من حَدقة لحدقة ،
و على كلّ المرايا
سافرة و سخيّة
قلتُ إذًا :
انتهى الأمر
و أفلت " المِنيار "
من قضباني الواهية
و قبضتي الواهنة ،
و لن يؤوب ،
فالعودة تظلّ دوما
على الأَنُوفِ عصيّة .
فتَنَتْه الحُرّيّة ..
و أغرته الأضواء الملتهبة
و أغوته ذوائبَها الذّهبيّة .
و الآن ، و قد أدبر
غير آبِهٍ بإدماني عليه ،
يليق بي
الانقراض حتّى من خياله
فأعفو و أتعفّف
و أغفر له
رغم الأذيّة .. ./ .
بقلم الأستاذ
الشاذلي دمق


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق