السبت، 31 أغسطس 2024

أمتي / بقلم / نواف عبد العزيز

 أمتي

(من وحي المونديال )

بَيْنا أَسيرُ و هَـمُّ الكـونِ فـي خَلَدي
و النفـسُ شـاردةٌ في عـالـَمٍ نَـكِــــدِ

و الفكر مُنْشغِلٌ عَلِّي أُصـيبُ بـــه
بعضَ الحُلولِ و إنّي غيرُ مُعتَقِــــدِ

رأيتُ بيرقَ نصرٍ خِلتُه عَـلَــمــاً
للنصرِ لم أدرِ أني لستُ بالرَشِــــدِ

و قد رأيتُ عِزينَ النّاسِ في حِلَقٍ
و عُلِـّقت ثَـمَّةَ الشـاشـاتُ للرَصَــــدِ

تَخالُهُم يَرْقُبونَ النَّصْرَ في خَـبَــرٍ
يأتي إلى الشاشـةِ الرَّقْـطاءِ بالبُـــرُدِ

حتى يُرَوّوا- وقد أَضْناهُمُ – غَلَلاً
فقد يَبُلُّ صَدى الأنباءِ غُـلَّ صَــــدِي

دَنَوْتُ منهم و في نفسي أُسـائلهم
عن سِـرِّ راياتِهم والجمعِ ذي الحَشَـدِ

فـما تَـلَـفَّـتَ نَحْوي مـنْـهُـمُ أَحَــــدٌ
و ما وَقَعْـتُ على الأخـبار من أَحَـــدِ

رأيتُ واحدَهم عيناهُ شـاخصــــةٌ
و شِــــدْقُــهُ فـاغـرٌ كالأبـلـه الــبَــلِــدِ

و حينَ أَنْ لمحتْ عينايَ شاشتَهـم
عـرفـتُ سِـرَّ وُجـومِ الأعـيـنِ السُّـــدُدِ

حاولت مُجتهِداً- والروح ظامئــةٌ
حـرّى فَـإِنْ تَـحْـظَ بـالآمالِ تَـبْـتَــــرِدِ

تَعِلَّةَ النفـس بالأحلام غـيـرَ وَنِـي
و قـد وَدِدْتُ لَــوَ اْنّي غـيـر مُجـتَـهِــدِ

لـكنَّني سـاءَني ما كان يَشْـغُـلُـهـم
مِـنْ خِـفَّـةِ العـقـل في دنيا من الشَّــرَدِ

يُمضون أوقاتَهم في التافهاتِ سُدىً
وهـل تـدومُ ســنـيـنُ الـعـمـرِ للأَبـَــدِ !

يـا بائعَ العمرِ قـد أَرْخَصْـتَه ثَـمَـناً
خَسِـرْتَ بـيعَـكَ في لهوٍ و بـعـضِ دَدِ

لـو بِـعْــتَه سَــلَـماً أَنْـجَـزْتَ فـائِـدَةً
لـكنَّ جُـهْـدَكَ لـم يُـثْـمِـرْ و لـم يَــزِدِ

ضـيَّـعـتَه عَـبَـثـاً فـي صَـفْقَةٍ غَـرَرٍ
مِـنْ غـيـرِ ما عِـوَضٍ مُجزٍ و لا نـقَـــدِ

رُوَيْـدَكَ البيعَ لا تَعْجَـلْ فـمـا نــدمٌ
أحـزُّ في النـفـس من خُسرانِ صُنعِ يـدِ

أَغْلى مِنَ العُمْرِ أَعْمالٌ يُسـامُ بِـهـا
أَغْـلى- وحسـبُ امرئٍ- من ماله اللُــبَدِ

لكنكـم بِـعتُـمُ بالـرُّخْـصِ فـي كـرةٍ
عُـمْـراً أَجَـلَّ لـنـا مـن طـارِفٍ تـــلِــدِ

هَـذي صنـيعةُ صُهيونٍ و فكرتُـهـا
و فـكـرةُ الـعُــرْبِ لـم تـولـدْ و لـم تَــلِـدِ

فـهـم ذُيولٌ و أتباعٌ بغيرِ هُــــــدىً
هــم إمَّعاتٌ بلا حــولٍ و لا ســــنَـدِ

يَـرضَــون بالـذُّلِّ إكراماً لســـيدهم
رِضــاءَ مُضْطَهَدٍ إذلالَ مُضـطَهِــــــدِ

ولـيـتَ إمَّــعَــةً تـخـتـارُ نـافِـعَــــــةً
لـكـنَّـها تَنْتَقي في الغربِ كُــــــلَّ رَدِي

يا أمـةً ســادتِ الـدنـيــا بِأَجْـمَـعِــها
لَمّــا أنِ الـتَـزَمَـتْ بِالـمَـنْهَـجِ السَّــــــدَدِ

و أصبَحَتْ سِلعةً مِـنْ بعدِما جَنَحَتْ
عَـنِ الصِّراطِ لِذي سَلْبٍ وذي طَــــــرَدِ

لِـكُـلِّ مُسْــتَـعْـمِـرٍ لـم يَنْهَهُ خُـــــلُـقٌ
ولـيـس تَــرْدَعُـهُ أَحْــكامُ مُـعــتَـقَــــــــدِ

هُـناكَ غَـزَّةُ تَصْلى حَـرَّعُـزْلَـتِهـــــا
ونحـن نَرْفُلُ في نُعْمى مِـنَ الرَّغَــــــــدِ

تَسومُها الذُّلَّ إسرائيلُ في عَـلَـــــــنٍ
مِـنْ هَـيْـئَــةِ الأُمَمِ المَلْعونَةِ الأَيَـــــــــــدِ

الرّافعيـنَ لِواءَ العَـــدْلِ عَـنْ كَــــذِبٍ
والـمُـدَّعينَ حِـرابَ الظُّلمِ عَـنْ فَـنَــــــــدِ

الـمانـعـيـنَ دُعـــاةَ الحَـــقِّ حَـقَّــهُــمُ
والـرّابِـتـيـنَ عــلى الـباغي بِكُلِّ يَــــــــدِ

الخاذِلـيـنَ ضَـعـيـفـاً دونَ طُــلْبـتِــــهِ
كُـــرْمـى عَـــدُوٍّ قَـــوِيٍّ بــالِـغِ اللَّــــــدَدِ

الأَقْوياءِ على المُسْتَضْعَفينَ هُــــــــمُ
الســائِـريـنَ بِـرَكْــبِ الكُرْهِ و الحَقَــــــدِ

يا هيئةَ العدلِ كم مِـنْ أُمَّـةٍ ظُـلِمَـــت
لَـدَيْـكِ إذْ لـم تُصِــبْ عَـدْلاً و لـم تَـجِـــدِ

فكم مُـوارَبَـةٍ كـانـت عـلـى وَضَــحٍ
والفـجـرُ مُـنْـبَـلِـجٌ و الشـمـسُ فــي رَأَدِ

فـما اتَّـقَـيْـتِ جَـنى عـارٍ بـتَـوْرِيَـــةٍ
وما خَـشِـيـتِ انْكسـارَ الصمتِ بالحَــرَدِ

فكم تَخِـذْتِ عُـهــوداً غـيـرَ مُـنْجَــزَةٍ
وكــم حَـنَـثْـتِ بِـوَعْـــدٍ مِنْــــكِ مُـطَّــردِ

وكم وفَـيْتِ لِـطــاغٍ دونَ مَـوْعِــــــدَةٍ
وكــم مَـنَـحْـــتِ طــواغـيـتــاً و لم تَعِـدِي

أُكْذوبَةَ الدَّهْرِ قد أُنشِــئْـتِ مُـلـتَـحَـــداً
لِـلــطّـالِـبـيـــنَ أَمـانــاً عـنــــد مُـلْـتَحَــدِ

فـكُـنْـتِ عَـوْنـاً عـلى المظلومِ ظالمـةً
وكُـنْـتِ فـاضِــحَـةً أســـتارَ مُـلْـتَـحِــدِ

شُـلَّـتْ أيـاديـكُـمُ مِـمّا أَتَـتْ و جَـنَـتْ
بِـئْـسَـتْ مـَقـالَـتُـكُـمْ مِـنْ دَعْــوَةٍ حَــدَدِ

وأنتِ يا أمتي قَــدْ كُــنْــتِ فـي عَـمَــهٍ
تَـخَـبَّـطـيـنَ مَــعَ الأَنْـعـامِ فـي الـنُّـجُـــدِ

تَــقـاتَـلـيـنَ إِذا مـا نـاقَــةٌ تُــرِكَــتْ
حَــوْلَ الـحِـمـى فَـتَـعَـدَّتْ حُـرْمَـةَ الـوَتَــدِ

بَـهـيـمَـةٌ عَـبَـرَتْ حَـداًّ بِـغَـيْـرِ هُـدىً
أَغْرى بِها العُشْبُ في مَـرْعى مِنَ الحَصَـدِ

فَـمـا غَـفَـرْتِ لـهـا إِطْـفـاءَ مَـسْـغَـبَـةٍ
ومـا مَـسَـحْـتِ غُـبـارَ الـجـوعِ بِـالصَّـيَــــدِ

جـيـلٌ مِـنَ السَّـنَـواتِ الدَّهْـرُ يَـسْـحَقُها
فـي غَـفْـلَـةِ الـحِلْـمِ عَـنْ مُـسْـتَكْـبِـرٍ حَــرِدِ

سَـلِ الـبَسـوسَ و سَـلْ إِنْ شِـئْتَ ناقَتَها
وسَــلْ كُـلَـيْـبـاً وسَـلْ جَـسّـاسَ واسْـتَـزِدِ

سَـلْ داحِساً وسَـلِ الغَـبْـراءَ عَـنْ سَبَقٍ
أَكـانَ فـي الـعِـلْـمِ أَمْ فـي لُــعْــبَـةٍ دَدِدِ

وكَـمْ تَـقَـضّى مِـنَ الأَعْـوامِ فـي هَـرَجٍ
أَأَرْبَـعـونَ كَـفَـتْ أَمْ زِيـدَ فـي الـعَــدَدِ

وسَـلْ بِـرَبِّـكَ كَـمْ مَـوْؤودَةٍ قُـتِـلَـتْ
لَـمْ تَـدْرِ عِــلَّـةَ أَنْ تُـقْـتَـصَ بِـالــوَأَدِ

لَـمْ تَـدْرِ مـاذا جَـنَـتْ حَـتّـى يُـغَـيِّـبَـهــا
فـي الـتُّـرْبِ والدُها فـي غَـيْـهَـبِ اللَّـحِـدِ

ومـا جَـريـرَتُـهـا حَـتّـى تُـقـادَ بِـهــا
وليـسَ أَفْـضَـلُ كُـرْمـى الـعَـدْلِ مِـنْ قَــوَدِ

فَـصِـرْتِ بَـعْـدَ عُـهـودٍ مَـنْ دُجىً حَلِكٍ
مَــنـــارَةً رَمَــتِ الـظَّـلْـمـــاءَ بِـالْـبَـــدَدِ

قَـدْ كُـنْـتِ تـائِـهَـةً تَـحْـيـيـنَ في سَـفَهٍ
ثُـمَّ اصْـطُـفيتِ- لِنشـرِ الخيرِ- بالرَّشَــــــدِ

فـكـم فَـتَـحْـتِ مِــنَ الـبُـلْــدانِ عـادِلَــةً
وكُـنْـتِ أَرْحَــمَ مِــنْ أُمٍّ عــلــى وَلَــــدِ

وكُنْـتِ بِالـلـهِ لا الأَهْــواءِ حـاكِـــمَـــةً
لَـمّــا لَـزِمْــتِ صِــراطَ الـواحِــدِ الأَحَــدِ

دَعِي و لا تَتْبَعِـنَّ الغـربَ فـي سَـــنَـنٍ
فـأنـتِ أَرْجَـحُ فـي مـيـزانِ مُـنْـتَــقِـــــدِ

هُـمْ مَـظْهَـرٌ باذخٌ فـي عيـنِ مُـنْـخَـدِعٍ
ومَـنْ يُسَــوّي لَآَلـيْ الـبـحـــرِ بـالـزَّبَـــــدِ؟

فـكـم ثَـرِيٍّ ثَــراءً لا حُـــدودَ لــه
يـخــتـال مــن فِـَتـنِ الآلاءِ فــي بُــرُدِ

أَتَتْــهُ فــي حُـلّـةٍ بيضــاءَ راغِـمــــــةً
دُنْـيــا نَـعــيـمٍ تَـخُـــبُّ السَّــــيْرَ بالمَلَـــدِ

لـكِـنَّـهُ ســادِرٌ فـــي عِـيشَـــةٍ ضَــنَــكٍ
الـنَّـفْــسُ تـائهـــةٌ و الــرّوحُ في كَمَـــــدِ

تَجَرَّعَ السُّــــمَّ يَسْــــتـدْنـي مـَنِيَّـتَـــــهُ
لَــمْ يَـمْـــحُ شِـــقوَتَــه مالٌ و لــم يُفِــدِ


يا أمّتي لَــمْ تَـزَلْ ذِكـراكِ عـاطــــرةً
مـنْ أَلْـفِ عـامٍ مَضَـتْ إِنْ شِــئْـتِها تَـعُـــدِ

عـودي لِسـالِفِ عَهْـدٍ كـنتِ مُشـــرقةً
إشــراقــةَ الـروحِ فـي قـلـبٍ و فـي كَـبِــدِ

خَـلّـي سَــناكِ يَعُــمَّ الكونَ أجـمـعَــــهُ
خَـلّي السَّـناءَ و عِــزَّ الـمَجْــــدِ يُسْـتَعَــــدِ

إِنْ كنتِ ســائرةً فـي مَـهْـمَــهٍ وَعِــــرٍ
صَــعْـبِ الـمَسالِـكِ مِـنْ أَمْــتٍ و مِـنْ أَوَدِ

فَـدونَ كَـفِّـكِ مِـصـباحٌ و بـوصَــلَـةٌ
قَـــدْ حَـوَّلا مَـهْـمَـهـاً قَـفْـراً إلــى جَــــدَدِ

لـكِـنَّـما الـغَـرْبُ و الأضـواءُ مُبـهِـرَةٌ
والـعِـلْـمُ مُـزدَهِـــرٌ و الـفِـكْـرُ فــي وَقَــدِ

كَـمَـنْ يَـســيرُ و داجي اللَّيْلِ في حَـلَكٍ
مِـنْ غَيْرِ نـورٍ عـلى سَـطْحٍ مِـنَ الـجَـمَــدِ

فَإِنْ تَـعَـثَّـرَ كـانـتْ وقْـعَــــةً جَـلَـلاً
تُـودي إلى الـموتِ أو تُـودي إلى الـهَـمَــدِ

ولـيــسَ يَـنْـفَـعُ نـورٌ لَـمْـحَ بـاصِـــرةٍ
إذا الـبَـصِـيـرَةُ لَــمْ تَـسْـلَـمْ مِـنَ الـرَّمَـــدِ

يـا أُمّـتي و طَـويـلٌ دَرْبُـنـا غَـلِــــسٌ
عوداً إلـى الأَمْـسِ نَقْبِـسْ جَـذْوةً لِـغَـــــدِ

نَبُثُّ نورَ الهدى فـي الكائناتِ عَـسى
يـمحـو ظـلامَ الـليـالـي الحُـلَّـكِ الـرُّبُـــــدِ

و يـفـرشُ الـحَـقُّ دنـيـانـا بِـبُـرْدَتِــــهِ
و ينطـوي الـظـلـمُ فـي أشــلائِــهِ الـقِـــدَدِ

يـا أمـتـي رَجْـعَــةً تـمـضي بنا قُـدُماً
نغالـبُ الـمَـجْـدَ فـي سَـبْـقٍ و في صُـعُـدِ

م. نواف عبد العزيز
أبو عبادة



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق