الأربعاء، 20 ديسمبر 2023

اللوح المحفوظ / بقلم / عبد الكريم الصوفي

  اللوح المحفوظ

ما هو اللٌَوحُ المَحفوظ ... ؟ ... إنه السجل الذي دونت فيه الحقائق الكونيٌَة الثابتَة التي لا تتغير وذلك خلافاً لِما يعتَقِدهُ البَعض بأن كلٌَ شيءٍ مكتوبُُ بهذا اللٌَوح ... لا ... فذلك الإعتقادُ خاطئ ... فلو كان الأمر كذلك
وأن كلٌَ شيء مكتوبُُ فيه لَما كانت هُنالِكَ حاجة لهذه ( الحياة الدُنيا ) ولكان الله جَلٌَ شأنهُ يقوم بفرز الخلق مباشرةً إما إلى الجَنٌَة أو إلى النار ... ولإنتَفَت الحاجة إلى الأنبياءِ والرُسُل لهداية الناس إلى الطريق القويم ...
ولو أن مصير الإنسان محتوم ومدوٌَنُُ ( باللٌَوحِ المَحفوظ ) لَما أرسَلَ سُبحانَهُ النبي( موسى ) والنبي( هارون ) عليهما السلام إلى ( فرعون ) حيث مكثا عنده لأربعينَ سنة لهدايته ...
حيث يقول عزٌَ وجَل بسم الله الرحمن الرحيم
( فَقولا لَهُ قَولاً لَيٌِناً لَعَلٌَهُ يَذٌَكٌَرُ أو يَخشى )
وعليه فإنٌَ (اللٌَوحَ المَحفوظَ ) كما أسلفنا القول إنما أوجدهُ سُبحانه ودوٌَنَ فيه الحقائِق الكونيةٌَ الثابتة التي لا تتغير إلا بمشيئةِ خالقها جَلٌَ شأنه ...
مثال ذلك قولهُ تعالى ( كُلٌُ نَفسٍ ذائِقَةُ المَوت ) وقولهُ سبحانه ( والشَمسُ تَجري لِمُستَقَرٌٍ لَها )
ولا صحٌَة لما ذهب إليه البعض بأن ( الجَنين ) منذ تشكُلِه في ( رَحِمِ ) أُمٌِه ... مكتوبُُ له في ( اللٌَوح المحفوظ ) أنه سيكون من السعداء أو من الأشقياء ..
وهذا قول غير صحيح وغير متوافق مع العدالة الإلهيٌَة ... فحاشى للهِ أن يكتبَ على عباده الشقاء دونَ أن يمتَحِنهُم ... ودون أن يعطي لهم الفرص المُتَتالِيَة الفُرَص للتوبة وللإستقامَة على مَنهَجِه
ولكن يوجد لوح آخر أو سجلٌُُ آخر يسَمى ( الإمام المُبين ) وهو سجلٌُُ فارغُُ لم يُدَوٌَن به شيء حتى يوم الدين يوم تُرفع أعمال الخلق لباريها جَلٌَ في عُلاه وما يطرأ على سلوكهِم وأعمالهم ونواياهم من المتغيٌِرات
حيث يقولُ جَلٌَ من قائِل ( وكُلٌُ شَيءٍ أحصَيناهُ في إمامٍ مُبين )
لذلك فقد أرسَل سُبحانه لِكُلٌِ إنسان ( مَلَكَين ) ليرافِقانِه طيلَةَ حَياتِه ولِيُسَجٌِلا أعمالهُ ونواياه كلٌها
حيثُ يَقولُ سُبحانهُ في سورَةِ ( يَس )
( إنٌَا نَحنُ نُحيي المَوتى ونَكتُبُ ما قَدٌَموا وآثارهُم وكُلٌَ شَيءٍ أحصَيناهُ في إمامٍ مُبين )
ولَم يَقُل سُبحانه وكُلٌَ شيءٍ أحصَيناهُ في اللٌَوحِ المَحفوظ ...
فالله جَلٌَ في عُلاه بعِلمِهِ المُسبَق يعلم بأن فرعَونَ من أهلِ النار ... لكِنٌَهُ سُبحانَه لم يُثَبٌِتها عليه ... وتَرَكَ الأمرَ ( لِلمَلَكين ) المُكَلٌَفَين بتَسجيل كُلِ أعماله وكُلٌِ ظُنونِهِ ونَواياه ... حيث قال جَلٌَ شأنُه ...
( وما يَلفُظُ من قَولٍ إلا لَدَيهِ رَقيبُُ عَتيد إذ يَتَلَقٌَى المُتَلَقٌِيانِ عَنِ اليَمينِ وعَنِ الشِمالِ قَعيد )
ويقولُ سُبحانه ( يَمحو اللهُ ما يَشاءُ ويُثبِتُ وعِندهُ أمٌُ الكِتاب )
وهذا التفسير يتفق مع مَنطِق القرآن الكريم ومعَ عدالةِ الخالقِ العَظيم ...
وإلا فكيف نفَسٌِرُ أن الحسناتِ يَمحينَ السيٌِئات ؟
بل كَيف نُفَسٌِرُ أن الإسلامَ يَجُبٌُ ما قَبلَهُ ؟
وكيفَ نُفَسٌِرُ أنٌَ التَوبَةَ( النَصوحَ ) تلغي كلٌَ الأعمال السيٌِئة التي سبقتها ؟
ويصبحُ الإنسان كَيَومِ وَلَدَتهُ أُمٌُه .
ويقول اللهُ عزٌَ وجَل ( يُبَدٌِلُ اللهُ سَيٌِئاتِهِم حَسَنات )
وبذالك يستقيم التفسير ولا يتعارض مع عدالة الخالق جَلٌَ شأنه ...
وعليه فإنٌَ باب التَوبة يستمر على مدى الحَياة وإن الأعمال بخواتيمِها ولا يغلق باب التوبة إلا إذا بَلَغَت الروحُ الحُلقوم ( الإحتِضار وحشرجَة المَوت )
أو إذا ظَهَرَت إحدى علامات القيامة الكبرى
فلا تَوبة للإنسان بعدَها ...
ويسمٌَى الموتُ ( بالوَفاة ) إشارَةً إلى أن الإنسان إستوفى كُلٌَ فُرَصِهِ في الدنيا للإستقامة على منهجِ الله عزٌَ وجَل ... وأن الملكَين إختَتَما تَسجيلَ كُلٌَ حَسَناتِهِ وسَيٌِئاتِه ... وبإنتِظارِ الحِساب ... ولَيسَ رَبٌُكَ بِظَلٌَامٍ لِلعَبيد .
وقد قال سُبحانهُ في كِتابه الكريم ( إعمَلوا ما شِئتُم إنهُ بِما تَعمَلونَ بَصير ) صدقَ اللهُ العَظيم .
بقلمي
المحامي عبد الكريم الصوفي
اللاذقية ..... سورية


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق