الخميس، 7 سبتمبر 2023

الحقيقة والسراب 12 / بقلم / ليلى جمل الليل

 قصة قصيرة

الجزء الثاني عشرة
العنوان : بين الحقيقة والسراب
الكاتبة / ليلى جمل الليل.
كان عامر يحدج والدته متوسلا أن لا تخذله اليوم، قاطعت الهدوء جدته بضربتين من العصا، قائلة..
أن الوقت حان لإدخال الفرح والسرور إلى البيت، ثم طرحت فكرة تزويج حفيدها الوحيد، ولأن المجتمع اليمني له خصوصيته في اختيار زوجة الابن، فقد أولى الشيخ محمد بالا على الأمر حيث عدل جلسته فتحبى وأخذ يمسح لحيته وهو يوجه خطابه لزوجته الحجة فاطمة وكنتها عائشة: (( إذن أنظرن، في بيوت أهل النسب، والصيت الحسن، لا أرغب ببنات هذه الأيام، هلا تنظران في بنات جارنا المتوفي مذ عامان، وتختران أحداهن، أجر عظيم ستر اليتيمة)).
حدجته زوجته باستنكار قائلة: (( أكبر بناته، سنها اثنتي عشر سنة، لا أحبذ زواج الصغيرات)).
قاطعتها عائشة: (( لا أزوج ولدي على فتاة من أسرة معدمة، يقفون في طوابير المعونات، ويدهم مبسوطة لصدقات))، ما أن أكملت حتى باغتتها تكشيرة جماعية، وحدجتها العيون بغضب، فتتدارك زوجها الموقف قائلا: (( ولا أريد أن أزوج ولدي أيضا على فتاة من أسرة نافذة فيعلو صوتها عليه، وتتباهى عليه وعلى أسرته، مثل واحدة أعرفها..))، ثم أخذ يضحك ويقهقه، فضحك عامر والجميع، حتى عبير ووالدتها ضحكتا من خلف ستائر الشباك المطل على الباحة وقد أغلقنا النور فلا تفضح ظلالهما المنعكسة تلصصهما، همست أسماء لعبير انظري لوجه خالتك عائشة أظلم كقطع الليل، أراهنك أنها تفكر الآن كيف تقتص منه، هناك أيضا متلصصتان نسيا السراج مضاء، إيمان ووالدتها، وقد هدأ الضحك من تشنج عضلاتهما والتوتر، همست إيمان لوالدتها: ((مسكين عمي سينام اليوم في غرفة عامر، أو ربما في المطبخ))، حدجتها والدتها متسائلة كيف عرفت ابنتها بذلك، همت إيمان تشرح.. فأدركت أنها ستفضح نفسها، فقد تتسلل حينما يداعبها الشوق للاستماع لصوت عامر وهو يردد مع العندليب وأم كلثوم، وهي تستمع فتمتزج أصواتهم
وتطرب وتتمايل على أنغام الحب العذري، وكثرا ما تصادف إن يكون والد عامر بقربة يغني ويتأوه ويندب حظه القليل، أحيانا يفسد عليها جو الرومانسية فيشتكي من عصيان زوجته عائشة، وتمردها وتمنعها، ويوصي ولده أن يتزوج فتاة بسيطة يحبها قلبه، ولا يصغي إلى أحد، وينشد تلك الأبيات المضحكة :((
لقد كنت محتاجا إلى موت زوجتي .. ولكن قرين السوء باق معمر
فاليتها صـــارت إلى قبر عاجلاً .. ويعذبها فــــيه نكير ومنكر)).
فينفجر ضاحكا عامر ووالده، وتكتم ضحكها وتفر من خشية انفضاح أمرها..
تنحنحت عائشة وهي تغمز زوجها متوعدة..
قاطعتها الحجة فاطمة: (( أذن دعونا نزوج ابننا على إحدى ابنتينا، والتفتت إلى عامر وقد أحمر وجهه وتصبب عرقا))، فَعلت أصوات الترحيب من الرجال، وأخبرها زوجها بأنه
نعم الرأي ما قالته.
لقد كان الانسجام بين الحج محمد وزوجته فاطمة، أشبه بموسيقى طبيعية، هذا الطراز العتيق من الأزواج الذي أصبح نادرا في عصرنا الحديث فلا رجال متزنين نفسيا، ولا نساء مستقرات عاطفيا، هذا العصر الذي طالت يده القلوب فأصبحت قاسية، وسلبت منها الطمأنينة، الثقة والحب الصافي ..
من الجانب الآخر، كان سليم يتناول أزمة العصر الحديث والعلاقات .. وهو يحاضر طلابه، وقد اخبرهم أنها محاضرة الوداع، لذا لك يدخر جهدا في الشرح والتوضيح، وموصيا إياهم أن لا ينساقوا للحداثة التي لازالت أخذه في التوسع، فمصير كل توسع متسارع هو التمزق.. الذي نراه في كثرة الطلاق، والعلاقات المهترئة، والأمراض النفسية.. كانت وصاياه بعينين تتلألأ من طرفها دمعة فقد.. ، ثم أعلن أنه دخل برنامج تطوعي في إحدى المنظمات الإغاثية وسيتوجه إلى إحدى الدول المتضررة من أثر الحروب في حملة لدعم النفسي للطوارئ، حزم حقيبته وتوجه مع مراد إلى المقبرة حيث انتظره صاحبه في السيارة لينفرد بوداع زوجته، حيث اخبرها إنه سيغيب عنها، لكن دوما يحملها معه إنما ذهب، فلا تغيب ذكرها عنه..
أليس القلب قبرا للحبيب!!
ثم توجه إلى المطار وقد عرف أن الدولة المستهدفة بالبرنامج هي اليمن، وقد كان قلبه مطمأن فقد كان يعرف شخصا هناك، وكان لديه رغبة في معرفة كيف هي الحياة في اليمن.
أما في دار الشيخ محمد فقد همت الحجة لتجيب زوجها حينما استفسر أي البنتين تناسب عامر، الذي التفت إلى والدته التي لا تزال تستعر من أثر الاستهزاء بها، لكنها حتما لم تخذله، فبرغم من حنقها إلا أنها ظلت طوال الأمسية تحدق عليه متأملة إشراقته، وحدها الأم من تُحَيد مشاعرها، من أجل سعادة أبناءها، فقاطعت حماتها بصوت منخفض، قائلة: (( إن بنتينا رائعتين والتمييز بينهما صعب لذا أقترح...
يتبع غي الجزء الثالث عشر


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق